RSSجميع مواضيع الكاتب شادي نايف

شادي نايف، يحمل شهادة الماجستير في نظم المعلومات، يعمل الآن مديراً لقسم تكنولوجيا المعلومات في أحد الشركات، وهو في الأصل مبرمج في عدة لغات برمجية، ومن اهتماماته مواضيع الهندسة الاجتماعية وبرمجة العقل والذكاء الاصطناعي.

براءة الإعلام – براءة المسلمين

 

كلمة الكاتب

في الوقت الذي يتناقل فيه الجميع مدى أهمية حماية أنظمتنا من الاختراقات الأمنية عن طريق الهاكرز والفيروسات والهواة، ينسى أو يتناسى الأغلبية مدى أهمية حماية عقولنا من الاختراقات الإعلامية! لقد أصبح المسلمون عموماً والعرب خصوصاً ألعوبة في يد صغار الإعلاميين قبل كبارهم، بل هم أثبتوا للعالم الآن أنهم ألعوبة في يد الهواة منهم! وعندما نقرأ مقالاً في مجال (الهندسة الاجتماعية) على موقع (Social-Engineer.org) يتحدث فيه الكاتب عن فيلم (براءة المسلمين) المسيء للإسلام كما يقولون، فإن كلامه المنطقي يحتم علينا محاولة نشر ذلك التحليل خاصة للعالم العربي الذي فقد تقريباً رغبته في القراءة وفقد تماماً قدرته على كظم الغيظ ولم يعد يذكر معنى مصطلح (التصرف الحكيم). لقد قمت بفضل الله بترجمة مقال الكاتب وستجدونه بعد تعليقي المتواضع هذا بخصوص الموضوع ككل.

لا أنوي في طرحي هنا أن أعرض وجهة نظر دينية بخصوص موضوع (الفيلم المسيء للإسلام) كما سماه البعض، فبالنسبة لي لا أفهم معنى أن يسيء فيلم إلى الإسلام أو إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فلو قتل أهل الأرض جميعاً ما زاد ذلك من كرامة نبينا صلى الله عليه وسلم شيئاً وما نقص منها، كيف نوافق نحن المسلمين بأن يتصور الناس أن فيلماً للهواة يمكن أن ينال من ديننا العظيم أو من حبيبنا خير الخلق والمرسلين؟! لقد كان مشركوا قريش يتناقلون قصائد كثيرة مليئة بذم المسلمين ونبيهم، قصائدهم في تلك الأيام هي أقوى وسيلة إعلامية، ومع ذلك لم يصلنا منها شيء لأن أحداً من المسلمين لم يتناقلها ولم يعر لها اهتماماً، فالمسلمون يعرفون دينهم ونبيهم في تلك الأيام حق المعرفة، وصفاتهم وخصالهم وتعاملهم مع الناس كان يضحد ادعاءات كل من يحاول تشويه سمعتهم أو سمعة نبيهم أو دينهم، أما الآن، فالوضع مختلف تماماً، نحن نساهم بكل طاقاتنا في نشر كل ما يغيظنا بأنفسنا! ونصنع بأفعالنا ناراً لا تأكل سوى أجسادنا وقلوبنا، بل ونعطي الجميع كل مسوغ وكل دليل يستطيعون به استخدامه لإثبات تخلفنا الفكري. والتخلف الفكري هنا ليس المقصود به التعلق بالسلف الصالح كما يمكن أن يفسره البعض، ولكن المقصود هو ترك العنان للمشاعر لتسيطر على ردة الفعل ويتحول التفكير في الموضوع مجرد اختيار ثانوي ليس له أهمية، عندها يكون الفكر قد تخلف بكل معنى الكلمة.

بغض النظر عن هدف نشر ذلك الفيلم، فإن ردة فعل المسلمين كانت وما زالت مثيرة للشفقة، وعند البعض مثيرة للاشمئزاز، لماذا لا نرفع أعيننا عن النظر تحت أقدامنا وننظر لما سيحصل بعد عدة سنوات في ظل هذا الأسلوب الهمجي في ردات الفعل؟ إن أسلوبنا في التخريب والقتل بسبب (فيلم) سيخف شيئاً فشيئاً، فنحن العرب سريعوا التأثر سريعوا الغضب سريعوا الخمول بعدها، ولن يتوقف محبوا الفتنة من استفزاز العرب عن طريق دين أغلبيتهم، فمن البديهي أن ردة الفعل التي لا تستطيع إيقاف الفعل سيكون مصيرها الزوال. لنتذكر الآن، كم من العرب بكى بسبب احتلال المسجد الأقصى؟ الكثير الكثير، وكم من العرب بكى بسبب أحداث اجتياح مخيم جنين؟ الكثير، وكم من العرب بكى بسبب احتلال العراق؟ القليل، وكم العرب يبكي الآن بسبب المجازر في الدول العربية والإسلامية؟ تقريباً لا أحد. ذلك لأن البكاء ردة فعل لم تستطع يوماً الوقوف في وجه الفعل. وعلى غراره نتساءل، هل تدمير السفارات سيشطب ذلك الفيلم من الوجود؟ ألم تكن أفعالنا هي أحد الأسباب الرئيسية لدعوة ملايين الناس لمشاهدة الفيلم الذي أثار هذه الضجة؟ أليست مشاهد القتل التي قمنا بها نحن العرب المسلمين كفيلة لإثبات تخلفنا الفكري كما سبق وأن وضحت؟ لماذا ردة الفعل القاسية هذه لم نرها إلا بعد ما سموه (الربيع العربي)؟ لماذا ردة الفعل على الكاريكاتورات الدنيماركية لم تكن بهذه القسوة قبل (الربيع العربي)؟ لماذا ردة فعلنا لا تكون مثل ردة فعل صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم فنهمل ذلك العمل تماماً؟ لماذا يعتقد بعضنا أن عليه شتم الناس وسبهم لأنهم شتموا رسول الله؟ ألم يؤنب رسول الله حبيبته عائشة لأنها ردت على أحد اليهود بـ(وعليكم السام) لأنه قال (السام عليك يا أبا القاسم)؟ أم نحن نهتم لنبينا أكثر من زوجته؟ لماذا لا نتعلم من نبينا الحكمة في التصرف؟ لماذا نتعلم بسرعة البطش بالناس وكأننا نشاهد فيلماً لآرنولد أو جون ساتاثان؟
لن أطيل أكثر في تعليقي، فالموضوع في الحقيقة متشعب، فيه الدين والسياسة وعلم الاجتماع والهندسة الاجتماعية والتحكم بالعقل وبرمجته. وإلى كل من لم يقرأ مقال موقع الهندسة الاجتماعية، إليكم الترجمة:

براءة وسائل الإعلام (مترجم)

في الوقت الحالي، كلكم قد سمعتم باسم (براءة المسلمين)، فيلم للهواة من إنتاج نقولا باسيلي نقولا (Nakoula Basseley Nakoula)، الفيلم الذي أثار أعمال الشغب في جميع أنحاء العالم. الفيلم أخرجه ألان روبرتس (Alan Roberts) مدير للمواد إباحية، وتم افتتاحه في مسرح مستأجر في هوليوود كاليفورنيا في 23 يونيو 2012 بحضور 10 أشخاص. دعاية الفيلم ومقتطفات منه تم تحميلها على يوتيوب (Youtube) في يوليو 2012 ولم يثر اهتمام أحد إلا القليلين، في سبتمبر 2012 قام موريس صادق (Morris Sadek) وهو صاحب تدوينة إلكترونية يعيش في منفاه خارج مصر (بسبب دعوته للقيام بهجمات على مصر)، قام بترجمة الفيلم إلى العربية ثم أعاد تحميله إلى يوتيوب. قام موريس بعدها بإرسال الرابط الإلكتروني للفيلم إلى أحد الصحفيين. وفي اليوم الثامن من سبتمبر 2012 قامت الفضائية المصرية (الناس) ببث مقاطع من الفيلم مما أدى لإثارة الاحتجاجات في مختلف أنحاء العالم.

الممثلون وطاقم الفيلم وهم 80 شخصاً، نددوا بعرض الفيلم وادعوا جميعاً بأنه قد تم خداعهم من قبل مدير ومخرج الفيلم حيث تم إيهامهم أنهم يقومون بتصوير فيلم عن حياة شخصية مصرية منذ ألفي عام اسمها (محارب الصحراء) (Desert Warrior) وفي تصريحات على فضائية سي إن إن (CNN) قال طاقم الفيلم “جميع الممثلين وطاقم الفيلم مستاؤون جداً ويشعرون بأنه قد تم اسغلالهم من قبل المخرج، نحن 100% لا علاقة لنا بالفيلم وقد تم تضليلنا تماماً عن الهدف وراء إنتاجه”. العمل الأصلي من الفيلم لم يكن فيه أي ذكر عن محمد أو الإسلام، وجميع الخطابات المعادية للإسلام تم لصقها بمقاطع معينة بعد أن انتهى العمل من الفيلم وبدون علم الطاقم الفني. سارة عبد الرحمن (Sarah Abdurrahmann) من (On The Media) قامت بتحليل الفيلم واستنتجت “إذا راقبت عن قرب، ستجد أنه في حاله قراءة الممثلين للحوار الذي لا علاقة له بالإسلام فإن صوتهم في الاستوديو هو المسموع، أي نفس صوتهم الحقيقي الذي خصص لذلك المقطع أثاء التصوير، ولكن في حالة أن الممثلين يشيرون لأي شيء بخصوص الدين (القرآن، الإسلام، الرسول محمد، إلخ..) فقد تم استبدال الصوت الأصلي للفيلم بآخر رديء الجودة، وإذا نظرت بتمعن أكثر فإنك ستلاحظ أن أفواه الممثلين تنطق بطريقة مختلفة بكلمات غير التي تسمعها” من الواضح أن نقولا والطاقم علموا بأن عليهم تطبيق (الهندسة الاجتماعية) على الموقف لكي يحصلوا على مساعدة كثير من الأفراد لإتمام الفيلم. الطاقم تم خداعه لإنتاج الفيلم والذي تم فيما بعد التلاعب به ليظهر بشكل مختلف عن حقيقته.

 
ولإضافة المزيد من الوقود على النار، قام صانع الفيلم المسيحي مصري الولادة الذي يعيش في كاليفورنيا نقولا باسيلي نقولا بالتنكر بشخصية باسم (سام باسيلي) (Sam Bacile) صاحب المشاريع العقارية اليهودي من إسرائيل في الثاني والخمسين من عمره، وادعى بأن الفيلم تم إنتاجه بتكلفة خمسة ملايين دولار أمريكي “بتبرعات من أكثر من مائة يهودي” كما في صحيفة (Associated Press)، وبعد المزيد من التحريات، تبين أن اليهودي الإسرائيلي سام باسيلي ما هو إلا المسيحي المصري نقولا باسيلي نقولا والذي قام بكتابة الفيلم أثناء مكوثه 21 شهراً في السجن بسبب تصنيع الميثامفيتامين والاحتيالات المصرفية، نقولا باسيلي نقولا قام بتخصيص 60 ألف دولار بعد إطلاق سراحه لكي يقوم بإنتاج الفيلم وليس خمسة ملايين كم أعلن.

من أحدث إصدارات (Social-Engineer.org) تعلمنا من ريان هوليدي (Ryan Holiday) مؤلف كتاب (ثق بي، أنا أكذب: اعترافات متلاعب في وسائل الإعلام) (Trust Me, I’m Lying: Confessions of a Media Manipulator)، تعلمنا كم هو من السهل التلاعب بوسائل الإعلام وكم أن هذا الشيء متوطن فيها. تعلمنا من هوليدي مدى قوة وسائل الإعلام وكم هو من السهل أن يستخدم الإعلام لتضليل وجر العامة إلى فعل أو ردة فعل. القصة التي شاهدناها بسبب فيلم (براءة المسلمين) كأنها مسرحية صغيرة مما أثاره هوليدي في كتابه. من المدهش كم يستطيع هذا الفيلم المنخفض التكاليف بأن يثير كل هذه الاحتجاجات على مستوى العالم! حتى أنه ربما قد ساهم في مقتل العديد من الأفراد، الحدث الذي تم توجيه بعناية للمشاهدين لروح هدف واحد وهو التسبب بالفوضى. الفيلم لم يلق اهتماماً على الإطلاق إلى أن تم ترجمته إلى العربية ثم إرساله مباشرة وعمداً إلى وسائل الإعلام المصرية، لم تكن بالمصادفة أن قام صانع الفيلم بارتداء قناع الشخصية الإسرائيلية. الغرض الكامل من هذه الضربة الإعلامية هو التسبب بالفوضى عن طريق إيهام العالم العربي بأن الفيلم صناعة إسرائيلية يهودية في الأصل.

بالنظر إلى الدراسات التي قام بها كل من جونا برغر (Jonah Berger) وكاثرين ميلكمان (Katherine Milkman) بعنوان (ما الذي يجعل أحد محتويات الإنترنت سريعة الانتشار؟) (What Makes Online Content Viral) فإننا نتعلم أن أي محتوى يثير مشاعر الناس سواء بطريقة إيجابية أو سلبية فإنه يتحول لمحتوى سريع الانتشار. عندما نشاهد شيئاً، مثل مقطع فيديو، فإنه يتسبب باستجابات فيسيولوجية في أجسامنا. المحتويات التي تضعنا في موقف استثارة عالية للمشاعر قد تبين أنها على الأرجح ستجعل عندنا رغبة في مشاركة المعلومة مع الآخرين. دراسات برجر أظهرت أن أقوى أنواع المشاعر مثل الرعب والغضب هي أكثر مسببات الرغبة بالمشاركة بالمعلومة وبالتالي انتشارها. ومن الجدير بالملاحظة أن الحقائق الأصلية لهذه المحتويات لا علاقة له بمدى مشاركة المعلومة وانتشارها. دراسة علم الاجتماع أظهرت لنا أن البشر يترابطون عن طريق المشاعر القوية، وأن هذه المشاعر تعزز التضامن والشعور بالارتباط. يقول برجر “إذا كنت أنا غاضباً، فعندها تصبح أنت غاضباً، نستطيع الترابط فيما بيننا بواسطة مشاعرنا”.

هذا الحادث هو مثال على الضرر الذي يمكن القيام به عند استخدام علم النفس الاجتماعي والهندسة الاجتماعية لأغراض شريرة.